سورة الفتح - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24)} [الفتح: 48/ 18- 24].
تالله لقد رضي الله عن المؤمنين المخلصين، الذين بايعوا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم تحت الشجرة بيعة الرضوان، بالحديبية، على قتال قريش وعدم الفرار، بايعهم النبي على الموت، وكان عددهم في الأصح ألفا وأربع مائة. وسميت بيعة الرضوان، لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ}.
ورضاه لأنه تعالى علم ما في قلوبهم من الإيمان والإخلاص، والسمع والطاعة، فأنزل الطمأنينة وسكون النفس عليهم، وجازاهم بفتح خيبر، بعد انصرافهم من الحديبية، ثم أتبعه بفتح مكة وسائر الأقاليم المجاورة.
وأثابهم أيضا مغانم كثيرة يأخذونها، وهي غنائم خيبر، وكان الله وما يزال قويا غالبا قادرا، مدبرا أمور خلقه، على وفق الحكمة والسداد.
ووعدكم الله أيها المؤمنون مغانم كثيرة من المشركين والكفار، على ممر الدهر، إلى يوم القيامة، ولكن عجّل لكم غنائم خيبر، وكف عن قتالكم أيدي قريش يوم الحديبية بالصلح، وأيدي اليهود أهل خيبر وحلفائهم، من أسد وغطفان، كل ذلك لتشكروه، ولتكون تلك النعم علامة للمؤمنين، يعلمون بها صدق الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في جميع ما يعدهم به، وليثبّتكم على طريق الهداية إلى الطريق القويم: طريق الحق، وطاعة الله ورسوله. ووعدكم أيضا غنائم وفتوحات أخرى، غير صلح الحديبية وفتح خيبر، لم تكونوا تقدرون عليها الآن، قد أحاط الله بها علما، أنها ستؤول إليكم، وتفتحونها وتأخذونها، مثل غنائم هوازن في معركة حنين، وفتوحات فارس والروم، وقد تحقق كل ذلك ولله الحمد، وأنجز الله وعده، وكان وما يزال على كل شيء قديرا مقتدرا، لا يعجزه شيء.
ولو بادركم بالقتال كفار قريش بالحديبية، لنصر الله تعالى رسوله وعباده المؤمنين عليهم، ولانهزموا هزيمة منكرة، فارّين هاربين، ثم لا يجدون حارسا وحاميا، يحرسهم ويواليهم على قتالكم، ولا ناصرا معينا ينصرهم عليكم.
تلك سنة الله الدائمة في نصره جيش الإيمان على جيش الكفر، وإعلاء كلمة الحق وإبطال الباطل، على الرغم من عدم تكافؤ القوى، مثل النصر يوم وقعة بدر، وتلك السنة مستمرة ثابتة، لا تغيير لها.
والله تعالى بكرمه وفضله: هو الذي كف أيدي المشركين عن المسلمين، وأيدي المسلمين عن المشركين، لما جاؤوا يصدّون رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وجنوده عن البيت الحرام، عام الحديبية، في داخل مكة وحدودها، حيث هبط ثمانون رجلا، كما تقدم، على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من جبل التنعيم، متسلحين بكامل أسلحتهم، يريدون مباغتة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذهم المسلمون، ثم تركوهم. وهذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين، بكف المشركين عنهم، وكف المسلمين عن قتال أعدائهم. وكان الله وما يزال بصيرا بأعمال عباده المؤمنين والمشركين، لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وكانت هذه الحملة مرسلة من قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل، فلما أحسّ بهم المسلمون، بعث رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في أثرهم خالد بن الوليد، وسماه حينئذ (سيف الله) في جملة من الناس، ففروا أمامهم حتى أدخلوهم بيوت مكة، وأسروا منهم جملة، فسيقوا إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فمنّ عليهم وأطلقهم، فهذا هو كفّ الله تعالى أيديهم عن المسلمين بالرعب، وكفّ أيدي المسلمين عنهم بالنهي عن القتال في بيوت مكة وغيرها، وذلك هو (بطن مكة).
أسباب وآثار صلح الحديبية:
أوضح الله تعالى في كتابه موقف المشركين من المسلمين قبل صلح الحديبية، من إعلان الكفر وصد المؤمنين عن البيت الحرام، وبيّن حكمة هذا الصلح، من أجل تعظيم حرمة المسجد الحرام، ونشر الإسلام وسلامة النساء والرجال المؤمنين، والقضاء على الحمية الجاهلية في مهدها، وكانت آثار هذا الصلح عظيمة، بإنزال السكينة والطمأنينة والثبات على قلب الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأتباعه المؤمنين:


{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26)} [الفتح: 48/ 25- 26].
المعنى: لم يكن كفّ المسلمين عن المشركين عام الحديبية لخير فيهم، فإنهم هم الذين كفروا بالله ورسوله، ومنعوكم أيها المسلمون من الطواف بالبيت الحرام، وأنتم أحق به وأهلوه، وصدوا الهدي (ما يهدى إلى الحرم من الأنعام) محبوسا في مكانه، عن بلوغ محل ذبحه، بغيا وعدوانا، وكان الهدي مائة أو سبعين بدنة (ناقة أو جمل). ومحلّه: موضع نحره الذي يذبح فيه عادة، وهو منى، أو الحرم المكي، فصار محل الإحصار (المنع من دخول مكة) على طريق الرخصة محلّا للنحر، وكان ذلك خارج الحرم. وتم عقد صلح الحديبية بين سهيل بن عمرو مفاوض قريش، وبين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، على أن يعود الرسول عنهم، ويعتمر من العام القابل، فهذا كان صدّهم إياه.
وعلة صرف المسلمين عن القتال وعدم تمكينهم من دخول مكة: حماية أهل الإيمان سرا، وهو أنه كان بمكة مؤمنون، رجال ونساء، خفي إيمانهم، فلو استباح المسلمون أرض مكة، أهلكوا أو قتلوا أولئك المؤمنين، فتصيبهم من جهتهم مشقة وأسى أو مكروه، خطأ بغير قصد ولا علم، لوقوع القتل جهلا، فيقول المشركون:
إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم، فدفع الله تعالى عن المشركين ببركة أولئك المؤمنين، وقد يدفع الله تعالى بالمؤمنين عن الكفار.
وقوله تعالى: {أَنْ تَطَؤُهُمْ} أي لولا وطؤكم قوما مؤمنين، فهي على هذا في محل رفع، أو هو منصوب بدلا من ضمير {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ} أي لم تعلموا وطأهم أنه وطء مؤمنين.
ولكن كفّ الله أيديكم عنهم وحال بينكم وبين قتالهم، ليخلص المؤمنين من أسرهم، وليدخل في رحمته من يشاء، فيدخل كثير منهم الإسلام.
لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا وذهبوا عن مكة، وانفصل بعضهم عن بعض، لعذب الله الذين كفروا عذابا مؤلما وهو القتل، بأن نسلطكم عليهم، فتقتلوهم قتلا شديدا.
ووقت هذا العذاب: حين جعل الذين كفروا في مكة في قلوبهم أنفة الجاهلية التي لا تعرف المنطق والحق والعدل، وهو قولهم: «واللات والعزّى لا يدخلونها علينا» وإباؤهم كتابة البسملة ووصف محمد بأنه رسول الله، في مقدمة صلح الحديبية.
فأنزل الله تعالى الطمأنينة والثبات والصبر على رسوله وعلى المؤمنين، حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحمية، وثبّتهم على الرضا والتسليم، وألزمهم كلمة التقوى: وهي عند الجمهور (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وتعظيم الحرم، وترك القتال فيه، ولم يستفزهم صنيع الكفرة المشركين، لانتهاك حرمة الحرم.
وكان المؤمنون أهل هذه الكلمة على الإطلاق، في علم الله تعالى وسابق قضائه سبحانه لهم، فهم أهل الحق والاعتقاد الصحيح، على نقيض المشركين ذوي العقيدة الفاسدة، وكان الله وما يزال عليما بمن يستحق الخير، ممن يستحق الشر، وهذا إشارة إلى علمه تعالى بالمؤمنين الذين دفع الله السوء بسببهم عن كفار قريش، وإلى علمه بوجه المصلحة في صلح الحديبية، فيروى أنه لما انعقد هذا الصلح، أمن الناس في تلك المدة الحرب والفتنة، وامتزجوا، وعلت دعوة الإسلام، وانقاد إليه كل من كان له فهم من العرب، وزاد عدد المسلمين في تلك المدة أضعاف ما كان قبل ذلك، فقد كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم عام الحديبية في ألف وأربع مائة، ثم سار إلى مكة بعد ذلك بعامين في عشرة آلاف فارس.
تحقيق رؤيا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وأوصافه وأصحابه:
رؤيا الأنبياء حق وجزء من الوحي، ولقد رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في منامه عند خروجه إلى العمرة، أنه يطوف بالبيت الحرام هو وأصحابه، بعضهم محلّقون، وبعضهم مقصرون، وقال مجاهد: أري ذلك بالحديبية، فأخبر الناس بهذه الرؤيا، ووثق الجميع بأن ذلك يكون في وجهتهم تلك (أي عام الحديبية) ولكن سبق في علم الله أن ذلك ليس في تلك الوجهة، وإنما في عام مقبل، وتحقق ذلك. وكانت مهمة الرسول وما زالت هداية إلى الطريق القويم وإلى الدين الحق. وأوصاف صحابته عجيبة: هي الشدة على الأعداء، والرحمة بالمؤمنين، وكثرة العبادة، والحرص على الثواب وإرضاء الله، والتميز بالنور، وتوصيفهم في التوراة والإنجيل، وانتقالهم إلى مرحلة القوة والكثرة، ووعدهم من الله بالمغفرة والجنة، كما في هذه الآيات الآتية:


{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)} [الفتح: 48/ 27- 29].
أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: أري النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو بالحديبية أنه يدخل مكة، هو وأصحابه آمنين، محلّقين رؤوسهم ومقصرين، فلما نحر الهدي بالحديبية، قال أصحابه: أين رؤياك يا رسول الله؟
فنزلت: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ}.
المعنى: تالله لقد صدق الله تعالى تأويل رؤياه، التي رآها، تصديقا مقترنا بالحق:
أنكم ستدخلون المسجد الحرام بمشيئة الله تعالى، في عام قابل، وليس في عام الحديبية، حالة كونكم آمنين من العدو، محلقا بعضكم جميع رأسه، ومقصرا بعضكم الآخر، لا تخافون من أحد.
فعلم الله ما لم تعلموا من الحكمة والمصلحة في تأخير العمرة إلى العام القادم، وانتشار الإسلام ودخول الناس فيه، والحفاظ على من كان من المؤمنين في مكة، فجعل من دون ذلك الفتح فتحا قريب الحصول: هو بيعة الرضوان، في رأي كثير من الصحابة، أو هو صلح الحديبية فيما روي عن مجاهد وابن إسحاق، أو هو فتح خيبر، وهو الأولى، فهو كالدليل على صدق الرؤيا وتحققها.
وليس الفتح القريب هو فتح مكة، لأن ذلك لم يكن من دون دخول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه مكة، بل كان بعد ذلك بعام، لأن الفتح لمكة كان سنة ثمان من الهجرة.
وربط دخول المسجد الحرام بمشيئة الله، لتعليم العباد الأدب، وإرشادهم إلى تعليق كل أمر بمشيئة الله تعالى، سواء كان محقق الوقوع أو محتمل الوقوع.
وأكد الله تعالى تحقيق الرؤيا بتصديق الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في كل شيء، فالله هو الذي أرسل رسوله محمدا بالهدى، أي بالإرشاد إلى الطريق الأقوم، وإلى دين الإسلام، والعلم النافع، والعمل الصالح، ليحقق إعلاءه وإظهاره على كل الأديان، وإن بقي من الدين الآخر أجزاء. وكفى بالله شاهدا عندكم بهذا الخبر ومعلما به، وبهذا الوعد، من إظهار دينه على جميع الأديان، وهو رد على سهيل بن عمرو سفير أهل مكة لعقد صلح الحديبية، الذي أبى أن يكتب في مقدمة الصلح البسملة وكلمة (رسول الله). فالآية على هذا وعيد للمشركين الذين رفضوا هذه الكلمة، فرد الله تعالى عليهم بهذه الآية.
محمد رسول من عند الله حقا بلا شك، وهو مبتدأ وخبر، وصحابته الذين معه يمتازون بالشدة والصلابة على الكفار الذين جحدوا بوحدانية الله، ويتراحمون فيما بينهم. وكلمة: {وَالَّذِينَ مَعَهُ} مبتدأ، وخبره: أشداء، ورحماء: خبر ثان. ووصف الشدة كما في آية أخرى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 9/ 123]. ووصف الرحمة كما جاء في حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد ومسلم، عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى».
وهاتان صفتان لهم، وبقية الصفات هي:
- إنك تشاهدهم يكثرون الصلاة بإخلاص، فتراهم راكعين ساجدين، يطلبون الثواب والرضا من الله، ويحتسبون عند الله تعالى جزيل الثواب: وهو الجنة.
- وعلامتهم المميزة لهم: وجود النور والوقار في الوجه والسمت الحسن والخشوع.
- ذلك الوصف المذكور للصحابة هو وصفهم المذكور في التوراة، والإنجيل، كانوا ضعافا، فتقوّوا، وصاروا في تكاثرهم مثل الزرع الذي أخرج فروعه على جوانبه، فاشتد وقوي، وأعانه وشدّه، واستقام وقوي على سوقه أو أصله، يعجب هذا الزرع الزّرّاع لقوته وحسن منظره، وتكاثر ليكونوا غيظا للكافرين.
و{يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} جملة في موضع الحال، فإذا أعجب الزراع، فهو أحرى أن يعجب غيرهم. وقوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ابتداء كلام، قبله محذوف، تقديره: جعلهم الله تعالى بهذه الصفة ليغيظ بهم الكفار، أي المشركين، وعد الله تعالى الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا صالح الأعمال، أي الواجبات، منهم: أن يغفر ذنوبهم، ويجعل لهم ثوابا جزيلا في الجنة و(من) لبيان الجنس لا للتبعيض.

1 | 2